الاوتار المقطعة
ولدت في بيت صغير حقير يدل على البؤس والحزن .. يقع نهاية قرية صغيرة
/ في دار مختار القرية \
ولدت في بيت صغير حقير يدل على البؤس والحزن .. يقع نهاية قرية صغيرة
عاشت فبرونيا في ظل ابيها الذي طال به الفقر والعوزة في الحياة
فكان ينظر كل يوم جديد لابنته وهي تنمو كزهرة جميلة ورقيقة . لكن ارادة القدر لم تطل
فتركها وحيدة في هذا العالم الكبير وهي لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها . عمره
تركها ابوها وحيدة بدون اهل واقرباء .
عرضت السيدة جليلة زوجة مختار القرية على فبرونيا التي كانت تعرف في القرية \\ب الخرساء\\
ان تعمل خادمة في منزلها وهي سيدة طيبة جدا لكن زوجها مختار القرية سئ الطباع وابنها كذلك
وافقت فبرونيا بكل رحابة صدر
حبيبتي فبرونيا كيف انفجر الجمال بوجهك وكيف طل الربيع بين شفتيك وكيف انبثق الفجر من محياك
كانت فبرونيا تكبر لتكبر انوثتها معها
فاصبحت طويلة رشيقة وكان جسمها ريحانة تتمايل مع عزف الرياح
لها وجه مشع كضوء القمر . حنطي اللون مائل للسمرة قليلا فزاد بها حلاوة
ذات عينين عسليتين يروق النظر بهما
وشعراسود طويل مسترسل على كتفيها
/ في دار مختار القرية \
كان ابن مختار القرية يراقب فبرونيا في عملها داخل منزله كالذئب الذي يراقب خروفا لياكله
كان يفرح فهد بهذا العمل المشين وكم من فتيات كثيرات قام بالتحرش بهن واذا فسح له مجال اغدق عليهن المال مقابل ما يريده هو
واخريات يستغلهن بسبب ضعفهن ويجبرهن على عمله المشين
اذا شكته واحدة من النساء الى ابيه . يضحككككك ابوه ويقول ان ابني زير نساء ناجح يعرف انتخاب
الفتيات الجميلات .
واذا تذمرت اي فتاة وبكت من فهد وسبته بالكلام امام ابيه يقول لها الاب الظالم ...
كم تريدين من المال لقضاء حاجة ابني او يقول اذهبي واطرقي راسك عرض الحائط
كانت فبرونيا تردع ابن مختار القرية بنظراتها القاتلة ولكن
هل يردع ابن المختار بنظرات فبرونيا وهوالشخص الذي لم يردعه رادع ابدا .
كل يوم جديد تزداد الفتاة فيبي حلاوة بعيني فهد ابن المختار
وكانت الخادمة ام ماجد تراقب فهد فعرفت مخبات صدره وماذا يريد من المسكينة الفقيرة الخرساء .
فشكته لوالدته السيدة الطيبة الست جليلة
حذرت السيدة جليلة ابنها مرات كثيرة بان لايتعرض لفبرونيا
لكن فهد يسخر ويقول – كيف لي ان انظر لهذه الخرساء
اما والده ليس افضل منه / فهذه العصا من تلك العصية ولا تلد الحية الا الحية \
كان المختار يجتمع كل يوم جمعة بالفلاحين ليوعظ بينهم كالمؤمن بين المجرمين
ومثل الحكيم بين المجانين
واما رجال القرية كانوا يحنون روؤسهم امامه ويقدمون رقابهم له ليكسرها بمنجله
كان الجميع يعلمون بان المختار يسرق النقود منهم ليزيد امواله ويسرق اللقمة من افواه اطفالهم المعدمين ليضعها في فمه الواسع الذي لايشبع ابدا .
جاء الشتاء ورمى بثلوجه على تلك القرية الصغيرة ليجعلها كالقبة البيضاء .
فزاد شوق ابن مختار القرية لفبرونيا شوقا
ففي ذلك البرد كان جمالها مثل الربيع في الشتاء بالنسبة له فكان يزداد حبا بها
وكم تمنى اختطافها من بين جميع الناس . فاخذ يراقبها كثيرا
.
اقتنص فهد في فجر احد الايام فبرونيا وهي تقوم بتنظيف غرفة مكتب والده .
دخل عليها واغلق باب الغرفة قائلا لها – الجميع مستغرق في نوم عميق وليس يوجد احد مستيقظ غيري وغيرك دعيني يا فبرونيا ان اكون عشيقا لك مقابل الكثير من المال
فذعرت المسكينة من كلامه واغرورقت عيناها بالدموع .
اخذت ترجع بخطواتها الى الوراء وهويلحق بها فمسكها من يديها ليجبرها على ما لا تريده . فبكت وفي بكائها التوسل فيه ان يتركها
لكنه لايرى ولا يسمع الا صوت شهوته . فدفعته بقوة كبيرة حتى ضج غضبه وضربها كف على وجهها قائلا لها – اخرجي من بيتي يا متسولة .
استيقظ الجميع من نومهم
ابي ابي لم اعد استطيع رؤية هذه الفتاة في بيتنا
اجاب الاب لماذا يا فهد
لاتسالني يا ابي انا فقط اقول لم اعد اطيق رؤيتها
اجاب الاب مثلما تريد يا ولدي
فغادر المختار وولده فهد الغرفة
قامت السيدة جليلة والخامة ام ماجد انتشال فبرونيا من الارض
وقالت السيدة الطيبة – فبرونيا عليك بالرحيل يا ابنتي
اشارت فبرونيا باشارات الى اين . وكان بادر على شكلها الخوف والقلق
اجابت السيدة – سابعثك الى المدينة وارسل معك مكتوب رسالة لشخص يسكن هناك هو وعا ئلته ولن تنسي ان معك سلاح قوي وهو اني علمتك الكتابة
في الكتابة ستستطيعين ان تتفاهمين معهم هناك .
في ذلك الصباح جمعت فبرونيا ملابسها في حقيبة صغيرة ومعهم المال الذي اعطته لها سيدتها
كانت لحظة الوداع صعبة لها ولسيدتها وام ماجد لكن ليس باليد حيلة من شر فهد
انحنت المسكينة وقبلة يد السيدة
فاحتضنت السيدة فبرونيا وقبلتها وهي تقول لها
ساتقصى اخبارك يا ابنتي ولا تقلقي من اي شئ
/ في المدينة \
وصلت الفتاة الى المكان المطلوب وكان في يدها العنوان الذي كتبته لها سيدتها .
اشارت فبرونيا لاحد المارين ان يدلها على مكان هذا الفلاح حسب ماهو مكتوب على الورقة
اوصلها الشخص حيث محل الفلاح الطيب ابو كريم للعطاريات .
دخلت فبرونيا اول خطوة جديدة في حياتها
دخلت محل ابو كريم حيث عالم مجهول جديد
سلمت على الرجل بتحية من يدها فاجابها ابو كريم بقوله -
اهلا وسهلا يا ابنتي ما ذا تطلبين بهار . فلفل
اشارت ببعض الاشارات فعرف ابو كريم انها خرساء
فقال لها – يا ابنتي انا لا استطيع التفاهم معك
فسحبت فبرونيا رسالة سيدتها من حقيبتها واعطتها له
عرف ابو كريم من تكون الفتاة ومن بعث بها اليه
قال لها – يا ابنتي اهلا وسهلا بك يا ابنة الغالي
اشارت اشارة هل يعرف والدها
قال لها – عز المعرفة
فدمعت عيناها وغرورقتا بالدموع عنما تذكرت والدها لان اعباء الحياة قد انستها جسده الذي غطاه التراب . فيا لموت والدها كم هو ارحم من عذابها
استضاف ابو كريم فبرونيا في شقته الصغيرة وسط عائلته
فرحبوا بها جميهم وقدمو ا لها من الطعام والشراب مايمكن تقديمه من عائلة متوسطة الحال .
رفعت فبرونيا يدها نحو السماء شاكرة ربها على من اوصي بها
دامت استضافتها عشرة ايام وبعدها كتبت على ورقة تقول فيها -
اني اشكركم على لطفكم وطيبة قلوبكم لكن يجب ان اقوم بتدبير امري بيدي
بعد ان قراءت ابنة ابي كريم الورقة
قال لها ابو كريم – يا ابنتي انت وسط عائلتك ولم تؤثري علينا بشئ
فكتبت مرة ثانية تقول – انها تريد ان يبحث لها عن مكان تسكن فيه لان في يدها مال سيدتها تستطيع به استاجار غرفة صغيرة داخل بيت بسيط وتترجاه ايضا ان يبحث لها عن عمل تعيش به . وجد ابو كريم غرفة صغيرة في بيت ارملة في الاربعين من العمر ولها ولد في العاشرة
ووجد ايضا لها عمل في ملجا الايتام
فرحت فبرونيا بهذا الخبر
ودعت عائلة ابو كريم شاكرة لهم استضافتهم وما قدموه لها من مساعدة
انتقلت حيث بيت ام عامر
مشت مركبة الايام وهي فرحة بسكنها الجديد وبعملها منظفة في ملجا الايتام
في احد الايام تمرضت ام عامر واحتاجت شراء بعض الفواكه والخضار
فطلبت من فبرونيا ان تذهب وتشتري لها الفاكهة التي تحتاجها من البائع القريب من بيتها
عندما دخلت فبرونيا محل الخضار دهش الشاب سعيد بجمالها كشمس بعثت خيوطا ذهبية في دكانه الصغير
اشارت فيبي الى بعض الخضروات تريد منها
فسالها كم تريدين ولماذا لاتتكلمين
اوطات راسها بحزن فعرف انها خرساء .
دمدم في سره – مسكينة جميلة جدا ولكن لاتتكلم
قال لها – هذا الوجه الجميل ليس له ان يحزن
ابتسمت فبرونيا وفي ابتسامتها ورود تفتحت
قال لها – اسمي سعيد . وما هو اسمك
اشارت الى القلم الذي في جيبه والى قطعة ورقة لتكتب اسمها
كتبت اسمي فبرونيا
قال سعيد – اسم جميل ووجه اجمل
فاخذ تفاحة من بين التفاح وقسمها الى نصفين فاعطى نصفا لها والاخر له قائلا -
فبرونيا هذه التفاحة هي التي اخرجت ادم من الجنة ولكن ارى ان هذه التفاحة هي التي ستدخلني الجنة .
ابتسمت له وتمنت لو تستطيع الكلام لتبادله نفس كلمات مشاعر الحب
اخذت فيبي تتردد على محله لتشكي همها له بواسطة عينيها
/ في ملجا الايتام \
ذات يوم كانت تنظر فبرونيا لجميع الاطفال حتى اطلقت سراج عينيها نحو طفلة لم تبلغ السادسة من عمرها تبكي كثيرا
اتجهت نحو الطفلة فبحركات منها تقول لها ما بك ياصغيرة
قالت الطفلة – ليس لي احد في الدنيا انا وحيدة وحيدة
احتضنت فبرونيا الطفلة اية ومسحت دموعها
لعل هذه الحياة ولدت فبرونيا ثانية اسمها اية
كانت كل يوم تلتقي اية بفبرونيا
اتى الربيع بابتسامته الزاهية
اتى الربيع بانفاسه الدافئة
اتى الربيع ليقلب صفحة من صفحات كتاب ايام الشتاء الباردة .
ها هي فبرونيا تلتقي مع سعيد كل يوم احد على قمة تل صغير فيكلمها بكلماته الحلوة وهي تسمعه بشغف وكم تمنت لو تستطيع الحديث لكن من يستطيع ان يعترض مشيئة الله
كان يقول سعيد دائما ان اجمل لغة للحب هي لغة العيون .
لم يفكر سعيد يوما بان يلمس يدها لانه يرى فبرونيا طاهرة نقية مثل ندى الصبح
مرت ايام الربيع وسعيد يجمع النقود ليتزوج فبرونيا ليعيشا معا طوال الحياة
وبما ان الربيع يتاهب للانتهاء
كانت فبرونيا تتالم بشدة من الام في راسها ولا تعلم سببه
فبدا وجهها بالاصفرار وهزل جسمها
في يوم من الايام وهي في الملجا تنظف سقطت على الارض وتم الاتصال بالا سعاف
وبعد الفحوصات والتحاليل تبين انها مصابة بمرض عضال في راسها وهي على حافة الموت .
عرف سعيد بمرضها فبكاها بكاءا مرا واخذ يندب حضه وحضها
قام كل يوم بزيارة فبرونيا في المستشفى حتى تقابلا الطفلة اية وسعيد
قالت اية لفبرونيا هل هذا هو حبيبك
فحركت راسها بمعنى نعم
قال سعيد – يا صغيرتي هل من الممكن ان تتركينا وحدنا
اجابت اية – حسنا ياعم لكن اياك ان تاكل كعكتي وحدك
ابتسم سعيد وقال لها – لالاتخافي لن اكل فيبي لوحدي ساترك لك حصتك
لم يكن يعلم سعيد ان يد الموت كانت قريبة منها جدا والموت هو الذي سياكلها
لان المرض قد انتشر في كل جسمها وشعرها الجميل قد تساقط من العلاج .
قال سعيد – حبيبتي فبرونيا انا لك وانت لي يجب ان تصارعي الموت من اجل حبنا
ابتسمت فبرونيا ابتسامة صفراء ضعيفة واهية وهو يمسك يدها وغصت غصة قوية وحشرجت نفسها وكانها تحارب في معركة لكن فبرونيا هزمت في حربها وانتشلها الموت نحو السماء
فصرخ سعيد وهويبكي لالالا لاتموتي يا حبيبتي فلم يبق الا القليل لنتزوج .
لكن ما فائدة هذا الكلام وفبرونيا الان في عالم الاموات
كان سعيد يذهب لزيارة الطفلة اية في الملجا مثلما اوصته حبيبته
وفي كل يوم احد ساعة الغروب حيث الشمس تودع الارض يذهب سعيد ليرى قبر حبيبته فبرونيا هناك على ذلك التل الصغير الذي كانا يتقابلان عليه كما اوصته هي
ويضع اكليل الزهور على قبرها فيبكي عليها ويصلي لها من اجل الراحة الابدية .
فبقت قصتهما حتى يومنا هذا .
2001


- Follow Us on Twitter!
- "Join Us on Facebook!
- RSS
Contact