الليالي الخوالي
في بيت منزو داخل الاحياء الشعبية عاشت احدى الفقيرات مع طفلها الصغير
في بيت منزو داخل الاحياء الشعبية عاشت احدى الفقيرات مع طفلها الصغير
عاشت ارملة في هذه الحياة تقودها شهوات الليالي المظلمة من اجل شراء الطعام
والشراب عاشت بائعة جسدها الجميل مقابل تلك النقود القذرة .
قد اوصلها فجورها ودنسها حتى اوصلا بها الى العتمة الكلية حيث لانهاية للنهاية السوداء
تربى سامر في حضن امه البارد فرضع من حليبها الملوث بجراثيم الناس الذين استغلوا ضعفها وعدمها في الحياة .
في ذلك الحي القديم الذي يشبه الزنزانة عاش سامر مقيدا بسلاسل سوء سمعة امه فالجميع في ذلك الحي كانوا يعيرونه بوالدته الذي شاء القدر بان يجعلها اما له .
كان يقف في ممر طريق الحي ناظرا للاطفال الذين كانوا يلعبون سوية معا وهو متمنيا متلهفا ان يكون معهم ولكن لااحد يهتم به فاعتبروه داء بلا دواء فجميع الناس كانوا يطلون عليه من نافذة واحدة ونظروا اليه بمنظار واحد . واذا تكلم معه احد المارين في الطريق قال له – الست انت ابن الليل الذي تمخضت بك ظلمته .
حبلت الامه في داخله فاستطاعت ان تنجب طفلا يائسا كئيبا . و تخطت الايام طريق السنين وسامر يرى العديد من الرجال الذين كانوا ياتون الى امه وهم متلهفين لاشباع غرازهم الحيوانية بجسد هذه المخلوقة الضعيفة التي استطاعت الليالي بان تجعلها من المعذبين في الارض فجميع زائريها في داخل بيتها كانوا كحيوانات تنتظر فريستها .
اما هي كانت تعرض جسدها كل ليلة وتبيعه لهم مقابل تلك النقود الوسخة التي وسمت ابنها بوصمة العار الابدي .
بلغ سامر الخامسة عشر من عمره فداهم المرض امه التي لم تبلغ الخامسة والثلاثين من العمر وقتلها المرض المفاجئ لها . عرف الجميع بموتها فلعنوها وكرهوا سيرتها .
قال الذين كانوا ياتون خفية اليها ليلا – هي من اهل النار وليس لنهايتها اي شك
لانها كانت فاجرة وفاسدة ولا تستحق حتى الدفن هذا ما قرره المعدومي الضمائر الذين
اقتنصوها كاوزة لهم من قلة حيلتها في الحياة .
وها هم في هذا الوقت يتكلمون عنها بهذا الكلام المخيف وهذه اللهجة الحادة
وقف هذا الانسان المسكين حزينا امام جروحه فنظر لامه الميتة والمرمية داخل غرفتها
وكانا وحيدين فقال لها – لماذا ايتها السيدة فعلت بنفسك ذلك هل هو الفقر ام الظلم او
الاثنان معا اللذان قاداك الى الذي انت فيه الان وبكى عليها وكان صوت عويله عالي فقال
– كان يجب ان لاتكوني امي ولكن ولكن وبغصة بكاء قوية منه نادى قائلا – لكن رغم ذلك انت انسانة قد افسدها الحرمان .
–
اغمض عينيها الجميلتين اللتين كانتا تنظران للمجهول ورسم شفتيها الرائعتين باصبعه
وكانه كان يداوي حزنهما .
جاء الى بيت هذا البائيس شخصان فقيران طيبان ووقفا بجانب سامر وقالا – الله هو الذي
سيحكم عليها وليس نحن البشر .
قال الشخص الاول هيا نذهب وندفنها في ارض الغرباء وقال الشخص الثاني الله يرحمها
ويغفر لها ذنوبها ومن يعلم يمكن ان يكون لنا ذنوبا اكثر منها .
كانت لحظة دفنها صعبة وقوية الحزن لسامر الانسان الذي ولد يتيما و لم ير له ابا كباقي
الاطفال ولا اخوة ولا اقرباء لم يكون له الا امه الضعيفة التي تلوثت بمجتمع حقير دنيء
فنظر لها وقال – كيف للانسان ان يطمر بالتراب وكيف لجسد هذه الانسانة الجميلة ان
يتوارى تحت الارض وكيف الان تنتهي حكايتها .
تولى هذان الشخصان تشغيله عامل نجارة .
فترك سامر بيته وسكن داخل المحل الصغير الذي عمل فيه عامل نجارة يجمع نقود عمله للطعام والشراب .
وهكذا مشت الايام باقدامها الحافية . فشب سامر واصبح عوده قويا وطريا . جميلا . حسن
المظهر . لطيف الكلام ولكن ولكن
من . من الناس لا يذكر امه ولا يذكره بها الا يكفي انه يتذكرها كلما لاقى احد الاغنياء
الذين استغلوا امه وضعفها في مواجهة الحياة .
فها هو المسكين مقيد وماسور للماضي في نفق الايام الماضية
انتقل سامر من عمل النجارة الى حارس في احد مصانع الخياطة وهذا المصنع الذي يعمل
فيه يبعد مسافات ليست قليلة عن حي بيته القديم .
تعرف سامر الى فتاة لم تبلغ السابعة عشر من عمرها . فقيرة الحال تعمل في معمل
الخياطة لكي تنقذ حالها وحال اختيها الصغيرتين وحال والدتها من كيد الفقر .
لاول مرة تعرف ندى الحب عندما اصبحت في ميادينه ووقعت في شباك سامر وهو يقول لها
اعذب الكلام وكان يردد على مسمعها دائما قوله - اه كم انت جميلة ورقيقة ياندى
فكانت تركب بحر حبه وتارة تغوص في اعماق انهره
فتى في عمرها يحرك دواليب احاسيسها . قد احبته من اعماق قلبها فاعتبرته رمزا لها
كانت تناجي الليل دائما في ان يغادر لكي تستقبل الصباح وتلتقي مع سامر
كلماته اللينة كانت تجعلها تقترب منه اكثر واكثر وكم تمنت لو ان تصغي لها قلوب العشاق وتسمع موسيقى رنين قلبها وحلمت كثيرا لو ان انية الحياة جمعتهما بشراب واحد في
كاس صغير ممزوجا بالام ومسرات اسمه حبهما
هكذا تمر الايام وسامر يطارد الصبية ندى لايعرف ماذا يريد منها
هل هو الانتقام من النساء جميعهن لانهن يذكرنه بامه فينتقم منها
ام هو الانتقام من الناس لينتقم لها
او هو الحب الذي لم يعرفه يوما
دوامات الحياة لازالت تدور وسامر يدور مع ندى
وفي يوم من الايام طلب سامر من حبيبته ندى ان ياخذها معه لطريق وهمي اختلقه هو
وندى الحالمة بحب ليس له مثيل ابدا لم تساله الى اين تذهب بي لانها اصبحت عمياء صماء بكماء بحبها له .
وصل بها كخروفة مسكينة الى حيه القديم والى بيته الموبوء بذكريات الليالي الخوالي
وفي داخل بيته في نفس غرفة امه هناك هجمت عليه عدوانيته تجاه ندى للانتقام
المغروس في ذاكرته . اما ندى كانت تبعده عنها بكل ما اوتيت بقوة وهي تقول له ارجوك
اتركني في حال سبيلي لكن هو تحول الى وحش يمتص الدماء لايسمع صراخها ولا بكاءها
وعندما انتهى . انتهى كل شئ قال لها – اذهبي حيث شئت فقد صادرت منك عذريتك
فقالت له – كنت اغوص في بحر حبك ولم اكن اعلم انني اغوص في مستنقع قذر جدا .
ضربها حتى كاد يكسر لها ضلوعها .
خرجت المسكينة لا تعرف الى اين تقودها قدماها .
الى اين هو مسلك دربها . فقذارته قد سلبت لها عقلها
فنادت وفي ندائها الحب ممزوجا بالكره لسامر وبكت بعويل ومناجاة لغدره وبصوت
منخفض قالت – انظر يا حبيبي فهاهي عروسك متقدمة امام موكب عرسها
وعند هذا الياس رمت نفسها في البحر لعله يغسل عارها .
وفاضت اخبار المنتحرة كفيض المياه من الانهار
ففرح سامر بما فعله من قبح .ضحك وضحك كثيرا وكانه خلع وازال رداءه البالي والبسه
الى شخص اخر .
اخذت الايام تطارد هذا البائس بسبب جريرته فقام بشرب الخمر بكثرة ليهرب من واقعه
وكان سامر يبكي كثيرا على ندى التي قادها بيديه الى النار التي لاتشبع ابدا من البشر
واستطاع قبل كل شئ ان يكسر ضلوع ايامها المعتوهة معه .
فكان سامر يسكر وفي سكره تقوى له لانه كان موصى في داخله منه ان لايستريح مثلما
لم تسترح ندى . فكان يقول بصوت مرتفع مجنون
مرة يقول لقد انتقمت لك يا اماه . ومرة يقول لقد انتقمت منك ايتها السيدة الدنيئة . ومرة
يقول يا حبيبتي انهضي وهلمي لحبيبك الذي احبك .
فهام سامر على وجهه في الطرقات يبكي على من ابكاها ينشد محبوبته .


